في العام 2005 وتحديداً بُعيد اغتيال الرئيس الشهيد رفيق الحريري بشهرين، قرر عصام فارس اعتزال الحياة السياسية في لبنان والخروج إلى منفى إرادي في الولايات المتحدة. هو الذي كان يقول دائماً: أحبّ رفيق الحريري وأحبّ العمل معه، رأى ببعد نظره السياسي أن هذا الاغتيال مقدّمة لإدخال البلاد في نفق سياسي مظلم.
لم يُعرف عن عصام فارس نائب رئيس الحكومة في حكومتين شكلهما رفيق الحريري وحكومة مع الرئيس الراحل عمر كرامي، أنه كان صدامياً أبداً، أو شكّل في يوم من الأيام حلفاً سياسياً أو جزءاً من حلف مع طرف ضد طرف آخر. كان عصام فارس دائماً رجلاً وسطياً، صاحب حلول في كثير من الأحيان، خصوصًا عندما كانت تتفاقم المشاكل بين الرئيسين اميل لحود ورفيق الحريري، كانت تبرز شخصية عصام فارس القادرة على لعب الدور التوفيقي بين الإثنين لكونه شخصية مقبولة لدى الجميع.
عندما قرّر لبنان شرح موقفه للأمم المتحدة من القرار 1559، من غير أن يذهب اليها اميل لحود أو رفيق الحريري ـــــ وكلاهما تباينا الى حد في تقييم تبعاته المحلية والدولية ـــــ خطب عصام فارس بديلاً منهما على منبر نيويورك في أيلول 2004 كي يُفصح عن الموقف اللبناني الرسمي: يدعم الشرعية الدولية ويحترم قراراتها وينصاع اليها، لكنه يطلب إمهاله الوقت لتقدير تنفيذ القرار بما لا يزعزع استقرار البلاد.
فضّل الإبتعاد على الإنقسام:
عندما أحسّ عصام فارس أن البلاد ذاهبة نحو انقسام سياسي حاد، قرر الإبتعاد لأن هذا الرجل لا يستطيع ممارسة السياسة وهو طرف في مواجهة أطراف أخرى. كان من أبرز الساعين إلى رأب الصدع السياسي بين تيار المستقبل والتيار الوطني الحر، ومن أشدّ المتحمسين إلى التعاون السياسي بين الفريقين لأنه كان يدرك أن التوافق السياسي هو ما سيؤدي إلى إعادة الحياة السياسية في لبنان إلى طبيعتها.
بعد إنجاز التسوية السياسية وانتخاب ميشال عون رئيساً كان أول المهنئين في قصر بعبدا. اليوم ومع استقرار الأوضاع السياسية، يعود الحديث عن عودة عصام فارس إلى الحكومة العتيدة، كنائب لرئيس الحكومة، لكنه أصرّ عندما سُئل عن الموضوع مؤخرًا “أنه جاهز ليخدم لبنان وليس من حصة أي طرف سياسي، بل هو من حصة لبنان وجاهز من أجل خدمة لبنان ومن أي موقع كان”.
هذا هو عصام فارس الذي لم يهدأ يوماً ولم يكل أو يتأخر في خدمة وطنه، من داخل السلطة ومن خارجها. هو السياسي الذي دخل إلى السلطة فأعطى للجان معناها وموقعها، وبعد أن كانت في لبنان مقبرة المشاريع، استطاع نائب رئيس الحكومة عصام فارس أن يجعل المشاريع تجري على يد اللجان خصوصاً عندما كان مجلس الوزراء يعجز عن ابتكار حلول بسبب الخلافات السياسية أو أسباب أخرى، وتحولت معه اللجان الوزارية إلى خلايا نحل تعمل ليل نهار من أجل تحقيق المشاريع وإنجازها.
عكار منطقته:
على الصعيد العكّاري فإن عودة عصام فارس برمزيتها ودلالاتها، ضرورة لإعطاء مسيرة التنمية الشاملة في هذه المنطقة دفعاً إيجابياً هي بأمسّ الحاجة إليها. فالفراغ الذي خلّفه غياب عصام فارس عن منطقته لم يستطع أحد ملأه، وإن وجود عصام فارس بما يملك من إمكانات في السياسة والإقتصاد وبما يملك من علاقات صداقة وتعاون في الداخل والخارج والتعاون الذي سيحصل مع رئيسي الجمهورية والحكومة في هذا الصدد، لا شك سينقل عكار من ضفة إلى أخرى، ولا شك أن البلد كله في حاجة لهذه العودة وتلك الحركة التي تحدثها على كافة الصعد، وقد رأينا كيف كانت زيارته التي استغرقت بضعة أيام قبل مدة وكمية المشاريع التي أنجزت خلالها في مختلف المناطق.
بعودة عصام فارس سيعود شجر الأرز ليعانق جبال لبنان فلا شكّ بأن عصام فارس بما يمثّل وبما يشكّل لدى العكاريين واللبنانيين قادر على حمل قضايا عكار إلى بيروت مركز القرار، ونقل بيروت بالمعنى اللامركزي للكلمة إلى عكار، بما يتمتع من علاقات وبما يشكّل من ثقل وطني في الداخل اللبناني. إنها عودة منطقية وحتمية تفرضها الظروف الإقتصادية والسياسية والإجتماعية ولبنان في حاجة لطاقات أبنائه جميعاً للنهوض والإستمرار.
