فالنتين نسر
يلتقي الكثير من شباب الجنوب على فكرة ان الطائفية هي مشكلة موطنهم الاولى، ويحملون الكثير من المفاجآت التي في طياتها تبرز نوعا من التفكير المختلف الغير سائد لطبيعة مجتمعهم.
من الواضح جدا أن حجم الاعتراض قد اتسع كثيرًا في المناطق الجنوبية بعد ١٧ تشرين، سيّما عند الفئة الشبابية، لكن الأزمة تبقى في عدم تحوّله الى اعتراض جذري، وخوف البعض من المواجهة، وهو خوف مبرّر، إضافةً إلى التزام كثيرٍ منهم، ومَن المجموعات المعارضة، بمفاهيم ومقاربات ورؤى وشعارات الاحزاب الحاكمة في الجنوب.
هنا بعض من الشباب والشبات الجنوبيون الذين يعتبرون ان أحزاب السلطة في الجنوب هي أحزاب طائفية شمولية، بعضها ينتمي لمشاريع عابرة للحدود تُهدّد وحدة الكيان وتماسك المجتمع، وبعضها كان من المشاركين الأساسيين في نهب الدولة وإضعافها، وفي تمرير دولرة الدين العام التي ندفع ثمنها اليوم، وبالتالي طبيعتها وسيطرتها السلطوية القمعية والشمولية على مجتمعها، وارتباطها إما بمشاريع نهب داخلية، أو بمشاريع توسعية إقليمية.
احد الشباب الذي فضل التحفظ عن ذكر اسمه، يربط عدم انتسابه لأي من الاحزاب لاعتقاده بانها تشكل احدى ركائز النظام الطائفي، ولأنه لا يرى بانها تعبر عن أفكاره السياسية. أما بعض قوى الاعتراض، فتبقى عاجزة عن خلق وتطوير مشاريع سياسية، وتفكيك خطاب احزاب السلطة، ودون سعيها إلى تجاوز السقف والمساحة التي رُسمت لها”.
و رغم معارضته لسلطة الثنائي الطائفي منذ ما قبل ١٧ تشرين، إلاّ أنّ تلك اللحظة، وما تبعها من أحداث، ساهمت في تجذير موقفه المعارض، سيّما بعد انكشاف هيمنتهما السياسية على الدولة بشكلٍ لا لُبس فيه كما يقول. ويقول: “استعمل غالبًا مواقع التواصل الاجتماعي واعتبرها الوسيلة الأفضل للتعبير عن مواقفي من القضايا والمسائل المختلفة. لا سيما انني اتعرض للمضايقات من خلال رسائل التحذير والتهديد التي تصلني على حسابي في موقع فايسبوك، أو من خلال قيام بعض الحزبيين بتحريض عائلتي ضدي”.
ويكمن خطورة شكل السيطرة السياسية في الجنوب برايه الى دفع، مع الوقت، مناطق لبنانية اخرى الى محاولة استنساخ هذه السيطرة، وإنْ بصورة طائفية مناهضة، خاصّةً مع تحلّل مؤسسات الدولة، وتغلغل الحزب الحاكم داخل أجهزتها. وان عملية التغيير تبدأ عبر مجالس شعبية ديمقراطية، وعقد اجتماعي ودستور جديدَين، بإلإضافة إلى عَلمَنة الدولة وتحقيق اللامركزية.
محمد مارديني شاب غير منتسب لأي حزب سياسي، ولا يعتقد بأنه هناك حزبٌ قادر على إحداث تغيير في النظام السياسي، ويرى ان الكل يعمل بعيداً عن المصلحة العامة.
ويضيف:” ان قوى الإعتراض في الجنوب ضعيفة جدا، وتعمل تحت رعاية وسقف الثنائي. ان ثورة ١٧ تشرين قد زادت رفضي لوجود هذا الثنائي خاصة بعد أن حاول الثنائي قمعنا في الطرقات وتهديد المتظاهرين بقوة السلاح أم بالخطابات الرنانة وإستخدام لغة الترهيب والتخوين. وفي رايي هناك وسيلة واحدة لمحاولة تغيير هذا الواقع وهو خلق فئة معارضة كلياً لكل الكيان الفاسد وذات خطاب سياسي حقيقي لا يتعاطف مع الثنائي خاصة في نقطة المقاومة، فبالحد الأدنى لا يمكن لمقاومة أن تشارك سياسياً في تجويع شعب كامل بحجة مشروع مواجهة العدو هذا إذا كانت أصلاً مقاومة للدفاع عن الوطن وليست مشروع لدولة إقليمية. إن تأثير نفوذ الثنائي في الجنوب كتأثير باقي أحزاب السلطة في كل المناطق في لبنان حيث يمنع التعبير عن حرية الرأي والمطالبة بالحقوق المدنية ،ويعتبر الجنوب حلقة ضعيفة جداً في محاربة السلطة وفسادها بسبب التبعية المفرطة للثنائي ولا يتم تغيير ذلك الا بوجود معارضة حقيقية ذات خطاب سياسي واضح وقوي ضد الثنائي”.
ان الجنوب اللبناني كما حال باقي المناطق، يشهد تحولات تعارض الاحزاب التي هيمنت وصادرت عقول الناس لمدة طويلة تحت حجج عقائدية وطائفية، ولكن اللافت ان شارع الاعتراض المنقسم يعاني من غياب الحوار والتمسك بالموروثات الا ان تشكيل لائحة مستقلة موحدة “معا للتغيير” قبيل الانتخابات النيابية القادمة استطاع تقديم طرح جديد يساهم بخلق معارضة فعلية تضع ثقلها وتبرز امكانياتها، ما يرسخ وجود فئات واسعة ومتحررة لديها افكار تجاوزت بها هذه المعضلة وتأسس لسنوات مقبلة.
